بحث

الجمعة، 24 أكتوبر 2014

الطريق الملعون (ليلة محفوفة بالفاجأت) الحلقة الاولى

بقلم : طه مؤيد العراقي



كنت صغيرا ,كثيرا ما سمعت من كلام الجدة الحبيبة وهي تجمعنا من حولها إنا وإخوتي وأبناء الخال العزيز في دائرة محيطين بالجدة المسترخية على كرسيها الخشبي الهزاز وهي تتكلم بطريقة مرعبة ومشوقة عن أولئك ما سمون بال" جن الليل" و لعاب بعضنا يسيل من أفواهه ويحاول إن يخفيها "بكوم القميص الطويل " , كي لا تراه الجدة وهو في أوج ارتعابه وتبرحه ضربا فهي ترغمنا على سماع تلك القصص المخيفة, قاصدة إن تجمد الدماء في عروقنا وان تجعل منا رجال لا نهاب شيئا .. إلا إننا كنا أطفال ومسامعنا كانت كلها أذان صاغية إلى سماع الأعجوبة والرعب من متن وأحداث قصص الجدة الحبيبة, كنت اعتقد أنها مجرد خرافات تسردها الجدة بطريقتها المخيفة لتمنعنا من اللعب ليلا في الحوش ولكي نرتاد على قراءة واجباتنا , إلا إن تلك القصص عن "جن الطرقات" لم تكن خرافة تداولتها ألسنة العجائز لإخافة الصغار, بل فعلا موجودة ,وأنا بطل واحدة من تلك القصص الغريبة التي لازالت محفورة في مخيلتي تطاردني ذكراها السيئة كلعنة الفراعنة .... دعوني أعرفكم بمن أكون : أنا " رعد جمال" إنسان عادي وبسيط مهنتي التي نشأت وترعرعت عليها , هي سياقه "الميكرو باص" ليس لي في الدنيا بعد الله سوى زوجتي .... عملي يكون كالأتي :أخرجت بسيارتي لألتقط رزقي ليلا لان معظم سواقي السيارات يغادرون الطرق بسياراتهم خالدين إلى بيوتهم مابين تناول الطعام وقضاء ساعات محدودة مع الأطفال بعد تعب وعناء النهار الذي شهدوه تحت أشعة الشمس الحارقة وازدحام الطرقات . رحلتي مع مجاراة الحياة تبدأ من الساعة السابعة مساءا وحتى التاسعة صباحا , قصتي تبدأ في أحدى أيام الشتاء القارص كانت السماء ملبدة بالغيم ونسمات البرد ارتسمت قطرات الندى على زجاج السيارة ... كان الطريق شبه فارغا والسيارات قليلة جدا , بسبب خوف الناس من سقوط أمطارا غزيرة في هذا اليوم حسب ما صرحت بيه الأنواء الجوية .. ألا إنني لم أكترث لنصائح زوجتي وقررت مواصلة عملي اليومي ناهيكم عن اعتراض الجو لقوتي اليومي .... قاربت الساعة على العاشرة وحتى ألان لم أسترزق بزبون واحد على خلاف العادة... يبدوا أن حظي لهذا اليوم عاثر.... سرت لمسافة طويلة لأجد أمامي 7 أشخاص يعترضون طريقي منهم 4 رجال و3 نساء ...ومعهم تابوت من خشب اعترضوا طريقي ...أخذوا برجائي أن أنقلهم إلى إحدى المقابر الموجودة في العاصمة ...ليدفنوا هذا الميت المكفن في تابوته كمومياء في جبانة عائلته العريقة , ساعدت الرجال الأربعة في رفع التابوت ووضعه فوق السيارة وربطه بأحزمة ...كي لا يقع أرضا إثناء مسيرتي بسيارتي ومع وجود المطبات الصناعية , كان يجب إن نؤمن سلامة التابوت من التحطم المحتم بالإسقاط على الأرض وكشف حرمة الميت . وذلك بربط أكثر من 4 أربطة , أكملنا ربط التابوت فوق "الميكروباص "واستقل الرجال الأربعة بهلتهم الغريبة وهي: أن الرجال الأربعة يرتدون نفس الملابس ولهم نفس تلك الذقن السوداء الطويلة المتدلية .. وشواربهم المغطية لفتحة فمهم الكبيرة والشحوب والحزن طبعا كانت هي الملامح الوحيدة المرتسمة على أوجه السبعة سواء رجالا او نساء استقل كل شخصا منهم مقعدا في الميكروباص بعيدا عن الأخر , أدرت محرك السيارة وشغلتها بيسر من غير إن تواجهني أي مشاكل المعتاد عليها من هذا الميكروباص القديم لكن يبدوا إن الميت مبرورا ولم تحصل أي مشكلة في إدارة المحرك القديم وانطلقنا "بالميكروباص" ومحملين بتابوت ونواح النساء المستمر آسية على "الميت "صحيح أنني في بادئ الأمر لم أكن مكترث ,وغير مبالي إلى مجرى الإحداث التي تحيك من خلفي خلسة ,خلف مقعد القيادي الرئيسي للباص .. الذي يصدر من النساء الثلاثة المحتشمات من أخمص القدم وحتى شعر الرأس كان كل ما يظهر منهم فتحتان للعين وفتحة للأنف وللفم إما عن ملامح الوجه فقد كانت مختفية خلف برقع اسود , إلا إن ازدياد النواح والصراخ هو من شتت تركيزي جعل من القلق عندي فضول وحب استطلاع الأمر باستراق همسة بسيطة , استرقت السمع إلى أصوات النساء الذين كانوا ينوحون كالغربان وهن يكررون نفس الكلمة مات غالينا " مات غالينا" ولكن هناك أمرا غريبا الصوت يزداد أي إن ما اسمعه ألان لا يبوح بأن هذه الأصوات تصدر من ثلاثة نساء نظرت بالمرآة المثبتة أمامي لأكتشف أن الميكروباص كان مليئا بالنساء المحتشمات بنفس اللباس غير واضحا منهم أي ملامح صوت أعين تدمع وأفواه تتفوه بنواح وأنين الأسى على الميت وصراخ يتعالى والأربع رجال صامتين وكأنهم لا يسمعون شيئا ... أوقفت السيارة على الفور ... لالتقط أنفاسي التي احتبست في صدري مما أسمعه ما هذا؟؟؟, سلام قولا من رب الرحيم عدد النساء في السيارة أزداد لقد ركبوا معي 4 رجال و3 نساء كيف ألان تغير العدد ليصبحوا 4 رجال وخمس نساء من أين أتت هاتان المرآتان الغريبتان , ترى هل كنت شارد الذهن وحساباتي خاطئة في إن 4 رجال صعدوا و5 نساء ممكن ... أكيد حساباتي كانت مبنية على أساس خطأ ,أكيد كان العدد 9 أشخاص ليس 7 ,فأنا هكذا دائما غير مكترث وغير ابلي بما يدور من حولي بسبب مشاغل ومتاعب الحياة التي جعلت من عقلي دفتر احتوى على كل سطرا فيه على طلبات الزوجة والتفكير في المولد الجديد الذي سنرزق بيه قريبا وكيفية تدبير أمور المعيشة لعلني لم أنتبه كعادتي الى ان النساء كانوا 5 وليس 3 ... صرخ احدهم بصوت مزعج وغاضب : أرجوك يا سيد يا محترم واصل طريقك ولا تسترق السمع إليهن ولا تشغل مخك بعدد النساء , أنها لأعجوبة يا ربي!!! كيف عرفت أنني أوقفت السيارة لانتبه إلى هذا الأمر وكيف عرفت أنني أعيد حسابات عقلي في تذكر كم عدد النساء ألتن ركبن معي, رد الرجل بصوته الخشن : تاااااااااابع طريقك فالليل طويل على إجابة هذا السؤال, للأسف نفذت رغبة ذاك الرجل ذو الملامح البغيضة واعدت تشغيل المحرك وانطلقنا من جديد "بالميكروباص" ... سار الميكروباص مسافة طويلة وكان الجو هاااادئا , وما يعكر مزاجي صرخات تلك النساء بأصواتهن القبيحة وهي تتزايد صداهن وأصواتهن في طبلة أذني مما يدين بأن عددهن قد أزداد عن السابق ... تكررت لذة الفضول في ذاتي لأعاود النظر إلى المرآة المثبتة أمامي لأراقب النساء ... أعوذ بالله ... النساء ازدادوا إلى 7 نساء يا لمصيبة من أين أتن هاتان المرآتان ومتى ركبوا معنا إنا متيقنا جيدا إن العدد كان في البداية 3 نساء ثم أصبحوا 5 وحاولت إقناع نفسي في إن حساباتي خاطئة ولكن ان يصبحوا 7 نساء هذه لا تعقل ويبدوا إن الأمر غريبا.... كنت أريد إطلاق كلمة عبرت عن غضبي واستيائي عن غرابة الأمر من فمي: من أنتم ؟؟؟؟؟؟ وكيف جئت هاتان المرآتان إلى السيارة الم تكن 5 نساء كيف أصبحتن 7 .. لم أطلق تلك الكلمات المستخرجة من فكري المليء بالأسئلة المحيرة حتى قاطعني نفس الرجل بجوابه عن سؤالي الذي لم أطرحه بعد على مسامع الجالسون الغرباء وهو يقول لا تكترث لأمرهن ... وتابع طريقك ودعك في أجرتك التي ستتقاضاها لو نجحت في إيصالنا إلى المقبرة ..هيا أرجوك تابع المسيرة دون أن تحشر نفسك فيما لا يعنيك , تجاوزت الأمر هذه المرة, وأقسمت على استكمالي لهذا الطريق المحفوف بمفاجآت غير متوقعة ,ولأكتشف ما قصة تلك النسوة ألتن يزادون كل ما تقدمت السيارة نحو الإمام مسافة قصيرة . عاودت تشغيل المحرك بحركة المفتاح حركة دائرية , لننطلق أنا و الرجال الثلاثة وبصحبة الميت و7 نساء غريبات, قد تبدوا قصتي حتى ألان غير مرعبة ولا أمرا يثير الدهشة حقا ,ولكن ما ثار الدهشة وانتزع الأنفاس من قفصي الصدري ليحتبس في قلبي وتناسل قطرات العرق من جبيني بتدفق سريع رغم برودة الجو .. وما دفعني إلى أن أوقف السيارة بطريقة سريعة ...هو ذاك الأمر الغريب فعلا .. أولئك الرجال ذوي الذقن الطويل كيف أصبحوا شباب ببشرة سوداء بشعة بعد أن كانوا رجال بعمر يناهز الأربعين وألان كيف يمكن لهم أن يصغروا 20 سنة وتتحول بشرتهم من بيضاء إلى سوداء بشعة أخفت ملامح وجههم .. والأمر الأغرب أن هناك طفلا غريبا وبوجه غريب يجلس وسط مقاعد النساء يجلس وكله شر وغضب تشتعل من عيناه الزرقاء المستديرتان الواسعتان وهو ينظر ألي ويظهر لسانه الأسود المحترق من فمه ويدخله ويكرر الجرة وهو قاصد ان يثير استفزازي .. وفجأة وإذا بأحد الرجال يقوم على قدميه ليمسك بالطفل , ويخنقه بحبل أخرجه من سترته والطفل ينازع بين يدي ذاك الضخم المفتول العضلات والواسع الصدر وهو يردد عبارة ممتزجة بخنق الطفل .. لقد جعت وأريد أن أكل لقد جعت ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ مار أيكم ألان ّ!!! الا تبدوا قصة مخيفة ولكن ما كل هذا الإبهام والغموض الذي يحيك بهذا الميكروباص وما سبب قتل هذا الرجل للطفل .... ترى هل هذا كابوس ام واقع مرير ؟؟؟ ترى وترى؟؟؟؟ ستتكرر الأسئلة كثيرة وسأترككم في شوق ولهفة إلى قرأه باقي القصة في العدد القادم بأذن الرحمن ... دمتم بخير أحبتي ... الروائي: طه مؤيد


التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More